حماية حقـوق الإنسان في ظل الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان
Loading...
Date
2012
Authors
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
كلية الحقوق و العلوم السياسية
Abstract
تعتبر الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان أحد أهم الوثائق الدولية في مجال حماية حقوق
الإنسان وأكثرها تميزا، فرغم أنها لم تأت بجديد في نطاق الحقوق والحريات المحمية إلا أنها أنشأت
نظاما للحماية على قدر كبير من التنظيم والتكامل يتولى تجسيده جهاز قضائي يتمثل في
المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي كانت هي الأخرى متميزة من حيث تشكيلتها وهيئاتها وكذا
نطاق اختصاصها.
فقد رأينا أن المحكمة حاولت أن تلم بكافة ضمانات المحكمة المستقلة والنزيهة من خلال
الحرص على استقلالية أعضائها، حيث منعت الجمع بين العضوية في المحكمة وممارسة
نشاطات أو وظائف أخرى، كما منعت الأعضاء من المشاركة في فحص القضايا إذا كان ذلك
يتعارض مع استقلالهم ونزاهتهم، إضافة إلى مدة عضوية القضاة غير القابلة للتجديد وتمتعهم
بالامتيازات والحصانات التي تمنع تأثرهم بأي ضغوط أو اعتبارات، كما أن علنية الجلسات ونشر
الأحكام يعزز شفافية المحكمة ونزاهتها، إلا أن استقلالية المحكمة ليست كاملة فهي لا تمتد إلى
النظام المالي للمحكمة ذلك أن ميزانيتها هي جزء من ميزانية مجلس أوروبا.
ويتجلى تميز الاتفاقية أيضا من خلال تعدد هيئاتها القضائية والعلاقة التكاملية بين هذه
الهيئات وهو ما يضمن سرعة الفصل في الشكاوى المقدمة إلى المحكمة ويفعل من دورها في
الرقابة على ضمان احترام وحماية حقوق الإنسان، كما أن نطاق اختصاص المحكمة واسع مقارنة
بنظيراتها من آليات الحماية الدولية لحقوق الإنسان فهو يتعدى حدود الجنسية والمحيط الجغرافي
ليشمل كل انتهاك ترتكبه إحدى الدول الأطراف في الاتفاقية بغض النظر عن جنسية الشاكي، كما
يشمل كل إقليم يخضع لسلطة الدول المتعاقدة حتى لو كان خارج القارة الأوروبية.
أما أبرز ما تميزت به الاتفاقية فهو إلزامية الاختصاص القضائي للمحكمة في مواجهة كافة
الدول المتعاقد و ة منح الفرد أهلية التقاضي أمامها، وهي بذلك قد خرجت عن القواعد العامة
للمسؤولية الدولية والحماية الدبلوماسية، ولم تكتف المحكمة بذلك بل إنها كرست مبدأ المساواة بين
الخصوم وكانت في كثير من الأحيان تفسر النصوص بما يخدم مصالح الفرد على حساب الدولة
المدعى عليها.
لقد عملت المحكمة طوال أكثر من نصف قرن من الزمن على تفعيل وتطوير حماية حقوق
الإنسان حيث ساهمت في إرساء العديد من المبادئ في هذا المجال، ورغم تقيدها بالاتفاقية إلا أن
ذلك لم يمنعها من مواجهة العديد من المشاكل والمستجدات بفكر منطلق ومتحرر من خلال -
اعتمادها على تفسير متطور وديناميكي لنصوص الاتفاقية، مواكبة في ذلك التقدم العلمي
والتكنولوجي الذي عرفته القارة الأوروبية والذي أثر بطريقة أو بأخرى على الجانب القانوني، وقد
ساهم ذلك في إثراء الاتفاقية وجعلها أداة حية تواكب التطورات التي يشهدها المجتمع، وهو ما أدى
إلى تطور حياة الفرد الأوروبي خاصة بالنسبة للدول التي تعترف بالأثر المباشر لأحكام الاتفاقية
في قانونها الداخلي، بل إن تأثير الاجتهاد القضائي للمحكمة وصل إلى أكثر المبادئ استقرارا
وحساسية في القانون الدولي ألا وهو مبدأ السيادة فقد خففت المحكمة بشكل كبير من حدة هذا
المبدأ من خلال تقليصها للمجال المحجوز للدول وتدخلها فيما كانت تعتبره هامشا تقديريا، حيث
وسعت من صلاحياتها لتشمل التدخل في سلطة الدولة في اختيار التدابير اللازمة لتنفيذ الأحكام.
إن النجاح والتطور الذي بلغه نظام الحماية المقرر في الاتفاقية ليس راجعا إلى تمرس
واجتهاد أعضاء المحكمة فحسب، فقد لعبت الدول المتعاقدة دورا لا يستهان به في ذلك النجاح
فالدول هي الشريك الطبيعي لأجهزة الرقابة، فهي من صاغ نصوص الاتفاقية وهي المخاطبة
بأحكامها وهي المسؤولة عن تنفيذ ما يصدر عن المحكمة من أحكام، كما أن فعالية الحماية
تتوقف على حسن نوايا الحكومات ومدى تعاونها مع المحكمة، ورغم الاختلاف اللغوي والديني
والاجتماعي بين الدول الأوروبية إلا أن هناك وعي مشترك بأهمية احترام وحماية حقوق الإنسان
وحرياته ودورها في التنمية والرقي الاقتصادي كما أنها تمثل ركيزة من ركائز حفظ السلم والأمن
الدوليين، بالإضافة إلى أن وجود رقابة قضائية مستقلة على احترام حقوق الإنسان يعتبر وسيلة
لتطوير وتفعيل ديناميكية واستقرار الديمقراطية وهو ما يؤثر بالإيجاب على كافة جوانب الحياة
الأخرى