إستقلالية قاضي التحقيق عن سلطة المتابعة
Loading...
Date
2010
Authors
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
كلية الحقوق و العلوم السياسية
Abstract
يتبين لنا جليا مما سبق التطرق إليه في هذا البحث,أن قاضي التحقيق في النظام القانوني الجزائري يتمتع بسلطات واسعة,فإذا كان الكاتب الفرنسي" بالزاك" قد وصف قاضي التحقيق بأنه أقوى رجل في فرنسا,فإننا نقول بان قاضي التحقيق في الجزائر يتمتع بصلاحيات و سلطات واسعة, من خلال ما منحه إياه المشرع في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري .كذلك قاضي التحقيق في ظل قانون الإجراءات الجزائية,مستقل عن باقي سلطات القضاء الجزائي,و بالخصوص عن سلطة المتابعة ,و هو يتمتع بكامل الحرية في اتخاذ ما يراه مناسبا من إجراءات.
فلقاضي التحقيق أن يسمع الأشخاص إذا رأى في ذلك فائدة لإظهار الحقيقة,و له أن يتهم كل شخص تتوفر في حقه قرائن المساهمة في ارتكاب الجريمة محل التحقيق الابتدائي,
و له أن يصدر أوامرا قسرية إذا رأى لذلك ضرورة من اجل المحافظة على أدلة إثبات الجريمة,و له أن ينتقل إلى مكان له صلة بالجريمة المرتكبة التي هو بصدد التحقيق فيها,و إجراء جميع المعاينات المادية,مثل القيام بتفتيشها,و له أن يحجز كل شيء يرى انه ضروري للكشف عن الحقيقة بحيث له الحرية في تقرير رد تلك الأشياء أو عدم ردها إذا طلب احد الأفراد استردادها,كما له الحرية في تقدير إجراء الخبرة من عدم إجرائها إذا طلب منه احد الأطراف في الدعوى العمومية ذلك,كما له أيضا سلطة الأمر بالوضع في الحبس المؤقت,أو الأمر بالرقابة القضائية....و غيرها من تلك الصلاحيات,و التي تمثل مظاهر لاستقلالية قاضي التحقيق عن النيابة العامة.
لكن بالرغم من هذه الصلاحيات الواسعة,و الاستقلالية التي يتمتع بها قاضي التحقيق عن باقي سلطات القضاء الجزائي ,فانه مقيد في ممارسته لصلاحياته من طرف النيابة العامة,بتعبير آخر رغم أن قاضي التحقيق مستقل عن النيابة العامة باعتبارها خصم في الدعوى العمومية,إلا إن هذه الاستقلالية ليست كاملة بل مقيدة بالقيود التي منحها المشرع للنيابة العامة على اعتبار أنها خصم ممتاز في الدعوى العمومية من جهة ,و ممثلة الحق العام من جهة أخرى.
حيث يمكننا أن نعتبر أن هذه الاستقلالية التي منحها المشرع لقاضي التحقيق عن النيابة العامة,استقلالية شكلية فقط,أي أن قاضي التحقيق تابع للنيابة العامة,و لا يتمتع بالاستقلالية الكاملة اتجاهها مما لا يحقق ضمانة للحريات الفردية,و لا يكرس حقوق الدفاع المكفولة دستوريا.
فالنيابة العامة,لها كامل الصلاحيات في التدخل في اختصاص قاضي التحقيق,منذ بدء التحقيق الابتدائي,و حتى الانتهاء منه و لا يمكن لقاضي التحقيق البدء في مهامه قبل تكليفه من قبل النيابة العامة,و في حالة تحريك الدعوى العمومية من طرف المدعي المدني لا يمكن لقاضي التحقيق البدء في التحقيق الابتدائي إلا بعد إرسال الشكوى إلى وكيل الجمهورية للاطلاع عليها و إبداء رأيه اتجاهها.كما للنيابة العامة في حالة تعدد قضاة التحقيق في محكمة ,أن تعين القاضي الذي تراه مناسبا لإجراء التحقيق الابتدائي,و غيرها من تلك الامتيازات التي تمارسها النيابة العامة على قاضي التحقيق ,و التي تقلص من استقلاليته اتجاهها.و حتى لو كرس المشرع الجزائري استقلالية قاضي التحقيق ,بإعطائه الحق في رفض طلبات النيابة العامة, التي تقدمها أثناء سير التحقيق الابتدائي,, فانه اوجب عليه أن يسبب ذلك القرار القاضي بالرفض,مما يجعله عرضة لرقابة النيابة العامة, من خلال الإقرار لها باستئناف هذا القرار,و بأحقية استئناف جميع أوامر قاضي التحقيق دون استثناء,على عكس باقي أطراف الخصومة الجزائية من متهم و مدعي مدني حيث قصر حقهم في الاستئناف على أوامر محددة.
بالإضافة إلى ذلك نجد أيضا المشرع الجزائري قد أعطى للنيابة العامة الحق في إثارة البطلان في أعمال قاضي التحقيق مباشرة أمام غرفة الاتهام,و أن هذا الحق ممنوع لباقي الخصوم من متهم و مدعي مدني,و هذا ما هو إلا قيد يضاف إلى تلك القيود الواردة على استقلالية قاضي التحقيق عن سلطة المتابعة.
و عليه و من استعراض كل هذه النتائج التي وصلنا إليها من خلال هذا البحث, نجد انه من الضروري على المشرع الجزائري,إذا أراد الإبقاء على نظام قاضي التحقيق, إعادة النظر في مركزه,و صلاحياته, بالتقليل من تدخلات النيابة العامة أثناء ممارسة قاضي التحقيق لمهامه,و كذلك تعزيز حقوق الدفاع.